السلام عليكم ورحمت الله وبركاته
دول الخليج العربي بما فيها اليمن تقع في شبه الجزيرة العربية التي تضم سبع دول هي: "المملكة العربية السعودية، الجمهورية اليمنية، سلطنة عمان، دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة قطر، مملكة البحرين، دولة الكويت"، وذلك حسب بعض المؤرخين والجغرافيين المحدثين؛ كما ذكر ذلك أستاذ التاريخ عبد الرحمن الشجاع في كتاب (مستقبل العلاقات اليمنية الخليجية). ولم تكن هذه الدول كذلك إلا بعد حدوث تغيرات استمرت طوال السنين الماضية مما جعل كلاً منها يؤثر ويتأثر بالآخر، ولم يكن اليمن بمنأى عن ذلك حيث كان أحد الفاعلين في المنطقة مؤثراً ومتأثراً.
والعلاقة بين اليمن ودول الخليج علاقة بين أعضاء في جسد واحد،كما أنها علاقة وطيدة استمرت عبر حقب التاريخ المختلفة، ولا تزال هذه العلاقات تعيش حراكاً مستمراً لترابط هذه الأجزاء ترابطاً بشرياً وجغرافياً، فيجمعهم دين واحد ولغة واحدة.
وتكتسب هذه العلاقات طابعاً خاصاً من حيث الاتفاق والاختلاف والتعاون، ومحاولة الاندماج فيما يسمى بالوحدة العربية أو تكوين تكتلات خاصة تأخذ طابعاً إقليمياً معيناً، وهو ما تجسد في دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا التقرير نحاول تسليط الضوء على طبيعة ومراحل العلاقات التي شهدتها اليمن مع دول الخليج وتطوراتها ومستقبلها لا سيما مع التقلبات السياسية التي يشهدها العالم.
[size=25]لمحة تاريخية للعلاقات اليمنية الخليجية: كانت هناك جملة من الخلافات اليمنية الخليجية التي حلت ولو بشكل مؤقت بالمعاهدات أو غيرها خلال السنوات السابقة لا سيما مع المملكة العربية السعودية المجاورة لليمن، حيث تتمتع بحدود كبيرة مع اليمن، وكانت هناك تغيرات كان لها الأثر في رسم مسيرة العلاقات تاريخياً.
حيث ظلت مشكلة الحدود اليمنية- السعودية تشكل أحد مصادر التوتر في علاقات البلدين منذ حرب 1934م، وعندما قامت الوحدة اليمنية حرصت على التأكيد على تصميم الجمهورية اليمنية على تصفية مشاكل الحدود مع دول الجوار، لكن ما سمم العلاقات اليمنية- السعودية كان الاحتلال العراقي للكويت بعد قرابة 70 يوماً من قيام الوحدة اليمنية، حيث تم تصنيف الموقف اليمني في ذلك الحين بأنه كان منحازاً إلى العراق، أو على الأقل لم يكن متوافقاً مع العلاقات الحميمة التي تربط اليمن بدول الخليج وخاصة السعودية والكويت، وتوترت العلاقات بصورة متسارعة بسبب استياء الخليجيين من المواقف السياسية الرسمية والحزبية والشعبية المؤيدة للعراق بعد التدخل الأمريكي في الأزمة، كما أن بعض الدول العربية أسهمت في هذا التدهور من خلال تضخيم ما يحدث في اليمن وما يصدر عنها-حسب موقع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.
وفي أثناء تصـاعد الأزمة السياسية اليمنية 93-1994م انحـازت معظم دول الخليج -باستثناء قطر- إلى جانب الحزب الاشتراكي، وقدموا له دعماً مادياً وإعلامياً وسياسياً، ومع ذلك فقد بدأت اليمن بعد سقوط مؤامرة الانفصال في محاولات جادة لتحسين العلاقات مع دول الخليج، ولكن دون جدوى.
وخلال عام 94م تواصلت المحاولات اليمنية لتحسين العلاقات وحققت نجاحاً في ذلك باستثناء الكويت والسعودية التي كان التحسن معهما بطيئاً، وقد زاد الموقف سوءاً مع السعودية بسبب بعض التحرشات الحدودية التي كانت تحدث نتيجة الخلاف على علامات الحدود بين البلدين. وفي مستهل عـام 1995م تــوترت الأوضاع بين البلدين على الحـدود عسكـرياً بصورة خطيرة، وتولى الشيخ عبد الله الأحمر مسؤولية تاريخية في نزع فتيل الحرب وإخراج العلاقات اليمنية السعودية من النفق المظلم الذي دخلت فيه منذ أزمة احتلال الكويت، حيث توجه الشيخ عبد الله إلى السعودية لتحقيق ثلاثة أهداف: نزع فتيل الحرب، العمل على تحسين العلاقات بين صنعاء وبين الرياض، ومحاولة حل مشكلة الحدود التي تشكل جزءاً أساسياً ملتهباً من المشكلة . وعلى مدى أربعين يوماً تقريباً دارت مباحثات مطولة وعسيرة بين الجانبين: اليمني والسعودي حول مسألة الحدود وأسباب المشاكل، واتفاقية الطائف، والمناطق التي لم تشملها اتفاقية الطائف، وكانت المباحثات والحوارات تصل في بعض الأحيان إلى طريق مسدود، وكانت تتوتر – أحياناً أخرى – بسبب بعض التصريحات الإعلامية والتسريبات اللا مسئولة، وأرسلت صنعاء إلى وفدها عدة مرات تطالبه بالعودة وتأجيل المحادثات، وأصاب الملل والضجر بعض أعضاء الوفد اليمني وطالبوا – أيضاً – بالعودة لكن الشيخ أصر على البقاء حتى الوصول إلى نتيجة تضع الأساس لحل مشكلة الحدود، وتعمل على تنقية العلاقات اليمنية السعودية مما يشوبها ويعكرها ويجعلها دائماً متوترة .
وتوالت المباحثات اليمنية السعودية عبر اللجان لمناقشة القضايا الفنية، وتولى الرئيس علي عبد الله صالح بنفسه ملف الحدود،كما أسهم الشيخ في الترتيب لأول زيارة يقوم بها (الرئيس) إلى السعودية بعد سنوات الانقطاع، وكانت الزيارة مهمة من أجل إنهاء القطيعة وإزالة التوتر لكنها تعرضت للتأجيل أكثر من مرة، وقد تمت الزيارة التاريخية في يونيو 1995م وشكلت منعطفاً نفسياً أزال الحساسيات، وكسر الحواجز بين الأشقاء. ثم تلا ذلك زيارة الأمير/سلطان بن عبد العزيز إلى اليمن التي أسهمت في دفع الأمور نحو الأمام، وأزالت الجفوة، كما كان من نتائج الزيارة فتح الحدود البرية وبدء التبادل التجاري بين البلدين.
واستمرت المباحثات والحوارات والزيارات بين اليمن والسعودية خمسة أعوام 95-2000م- حسب موقع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. وفي عام 2000م تم التوقيع على معاهدة جدة الدولية التي أسست لانطلاق علاقات الإخاء والتعاون بين البلدين نحو آفاق واسعة تلبي الآمال والتطلعات المشتركة للشعبين اليمنى والسعودي.
معاهدة جدة شكلت منعطفاً لمرحلة جديدة في العلاقات اليمنية السعودية، وتجلى ذلك في تبادل الزيارات بين قيادتي البلدين والمسئولين على مختلف المستويات، وكذا انتظام اجتماعات مجلس التنسيق اليمني السعودي، والتنسيق في مختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية والأمنية،كما يرى المحللون أن تواصل اللقاءات بين القيادتين السياسيتين في البلدين الشقيقين أكد حرصهما على تعزيز وتوسيع مجالات التعاون في مختلف المجالات وصولاً إلى تحقيق الشراكة الاقتصادية الكاملة بينهما، وهو ما أدركه رجال المال والأعمال في البلدين من خلال سعيهم لإقامة مشاريع استثمارية مشتركة.
أما بالنسبة لعلاقات اليمن بالبحرين -بحسب الدكتور خالد الفهد في موضوع بعنوان العلاقات اليمنية الخليجية بين العمومية والخصوصية- فقد كانت متأخرة إذ اقتصرت على التعاون المحدود في المجال التجاري في عام 1979م وامتدت إلى المجال السياسي عقب قيام الوحدة اليمنية -وتحديدًا عام 1994م- وأصبحت لها دلالتها الواقعية منذ عام 1997م حيث أضحى التبادل التجاري أكثر تطورًا بإقامة بنك مشترك بين الدولتين وإنشاء شركة لتسويق ولدعم الصادرات اليمنية والتوقيع علي اتفاقية الإعفاء الضريبي المتبادل في نوفمبر 1998م وامتد ليشمل المجال الصحي عبر توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الصحي في نوفمبر 1999م ثم امتدت إلى الجانب الثقافي والإعلامي بموجب التوقيع على اتفاقية التبادل الإعلامي في سبتمبر 2002م والأخرى وقعت في أكتوبر للتعاون في مجال التعليم الفني والمهني، ويمكن القول بأن العلاقات الثنائية بين اليمن والبحرين ما زالت تتسم بالعمومية على الرغم من عراقتها وأصالتها ولا يزال هناك أمام الدولتين الكثير لتفعيل العلاقات فيما بينهما وفي شتى المجالات المختلفة".
أما قطر فكانت علاقة اليمن معها قديمة، حيث قامت علاقات دبلوماسية بين البلدين وافتتح كل منهما سفارته في عاصمة البلد الآخر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي حيث جسد ذلك بداية مهمة للتطور في العلاقات بين البلدين، ووقع البلدان خلال تاريخ العلاقات بينهما (81) وثيقة -بحسب الباحث علي مطهر العثربي في رسالته (العلاقات اليمنية القطرية من1990م- 2000م)- وشهدت الفترة 1990م-2000م توقيع وزيري الخارجية في البلدين على محضر إنشاء اللجنة الوزارية اليمنية القطرية المشتركة، وفي عام 1993م تم الاتفاق على تبادل الآراء والخبرات والتنسيق في المواقف السياسية المختلفة وفي المحافل الدولية بما يعمق أواصر الأخوة بين البلدين، وهو ما تجسدت في المواقف الأخوية والقومية والإسلامية الوحدوية لدولة قطر أثناء الأزمة السياسية وحرب الردة والانفصال في مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وما أعقب ذلك من زيارات متبادلة لرئيس الجمهورية علي عبد الله صالح وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
طبيعة العلاقات مع دول الخليج وسياسة اليمن تجاهها: أخذت العلاقات بين اليمن ودول الخليج طابعاً تابعاً للمواقف السياسية لكل منها تجاه الآخر من حيث الاختلاف والاتفاق وما تبع ذلك من تشدد أو تفهم لهذه المواقف، أو للاختلافات على قضايا قد تؤثر سلباً أو إيجاباًً على أحد الأطراف، ولقد لعبت السياسة الخارجية اليمنية دوراً مهماً في هذه العلاقات لا سيما مع ترابط أمن اليمن بهذه الدول، حيث اعتمدت السياسة الخارجية اليمنية تجاه محيطها الخليجي على عدة مرتكزات هي كما يأتي:
1) اتباع اليمن سياسة حسن الجوار من خلال إقامة علاقات ودية وإظهارها حسن النية في التعامل معها بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة العربية والخليج ومنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
2) عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها.
3) ترسيخ مبدأ حل الخلافات بالطرق السلمية ورفض استخدام القوة حرصاً على تعزيز مبادئ الاستقلال الوطني والاعتماد على الحوار والتفاوض.
4) الحفاظ على الحقوق والسيادة الوطنية لكافة الدول واحترامها ورفض احتلال أراضي الغير بالقوة.
5) تدعيم وتعزيز علاقات التعاون بين الجمهورية اليمنية ودول مجلس التعاون الخليجي تحقيقاً للمصالح والمنافع المشتركة والمتبادلة وصولاً إلى تحقيق التكامل والتضامن. انظر (اليمن ودول الخليج العربي ... وكالة الأنباء اليمنية سبأ).